انطلقت، فعاليات النسخة الثانية من منتدى التمويل الأخضر "جريفن 2024" بعنوان "التمويل الأخضر: ضرورة ملحة لمستقبل القطاع المصرفي".
وأكد محافظ البنك المركزي الدكتور عادل شركس، بحضور عدد من القيادات المصرفية في البنوك وأمين عام اتحاد المصارف العربية وسام فتوح، وبمشاركة ما يزيد على 180 مشاركا من البنوك ومن مختلف القطاعات المصرفية والاقتصادية والجهات الحكومية والمؤسسات والمنظمات الدولية ذات العلاقة بالموضوع، أن التغير المناخي أصبح من أهم القضايا على المستوى العالمي نظرا لما ينطوي عليه من مخاطر اجتماعية وبيئية واقتصادية.
وقال إن هذا المنتدى الهام يهدف إلى تعزيز الحوار والتعاون داخل القطاع المصرفي ومع الجهات الأخرى ذات العلاقة لتطوير وتفعيل مبادرات التمويل الأخضر في المملكة.
وأضاف أن التغير المناخي حظي باهتمام مبكر وبالغ على الصعيد العالمي، وتعددت الجهود المبذولة لمواجهة تداعياته والتكيف مع تأثيراته المحتملة على النظم البيئية والقطاعات الاقتصادية، ومن أهم الأمور التي يتم بحثها الآن هو تأثير التغير المناخي على القطاع المالي والمخاطر المرتبطة بذلك وكيفية تحديد وتقييم وإدارة هذه المخاطر.
وأشار شركس إلى أن إدارة مخاطر تغير المناخ تتطلب من السلطات الرقابية اتخاذ إجراءات استثنائية تشتمل على دمج تلك المخاطر في سياساتها الرقابية والاحترازية، بما يسهم في توجيه البنوك والمؤسسات المالية نحو تضمينها في نماذج أعمالها وسياساتها الائتمانية والاستثمارية وسياسات إدارة المخاطر لديها، والتزامها بالإفصاح عن تلك المخاطر، وتمكينها في نفس الوقت من تعزيز التمويل الأخضر.
وأوضح أن البنك المركزي الأردني أدرك مبكرا أهمية الحفاظ على البيئة وتشجيع الطاقة المتجددة، حيث شمل قطاع الطاقة المتجددة ومشاريع كفاءة الطاقة ضمن برنامجه التمويلي لدعم وتمويل القطاعات الاقتصادية في عام 2013، إيمانا منه بأهمية هذا القطاع في المحافظة على البيئة وتوسيع نطاق استخدام الطاقة النظيفة في الأردن والتخفيف من أثر تغير المناخ.
وأضاف أن البنك المركزي قام في تشرين الثاني 2023 بإطلاق استراتيجية التمويل الأخضر (2023-2028) التي تم إعدادها بالتعاون مع البنك الدولي وبالتنسيق والشراكة مع جمعية البنوك والقطاع المصرفي والمالي والأطراف ذات العلاقة في القطاعين العام والخاص، وتعتبر هذه الاستراتيجية بمثابة خارطة طريق لتمكين البنك المركزي والقطاع المالي من تعزيز التمويل الأخضر والحد من مخاطر تغير المناخ، وتغطي قطاع البنوك وشركات التأمين وشركات التمويل الأصغر، كما تمتاز هذه الاستراتيجية بأنها الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وأشار إلى أن البنك المركزي انضم في تشرين الأول 2021 إلى شبكة تخضير النظام المالي العالمية، التي تهدف إلى تعزيز الاستجابة العالمية المطلوبة لتحقيق أهداف الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمناخ وتعزيز دور النظام المالي في إدارة مخاطر تغير المناخ وتوجيه رأس المال للاستثمارات الخضراء ومنخفضة الكربون.
ولفت إلى أن هذا المنتدى سيسهم في فهم أفضل لممارسات التمويل الأخضر ومخاطر تغير المناخ وأثرها في النظام المالي، معرباً عن أمله في أن يسهم هذا المنتدى في تحقيق تقدم ملموس في هذا المجال الحيوي.
من جهته، أكد فتوح، في كلمته خلال المنتدى، أهمية مناقشة موضوع بالغ الأهمية لمنطقتنا العربية، ألا وهو التمويل الأخضر.
وأضاف أن الجامع المشترك بين الحضور هو تعزيز التنمية المستدامة التي تلبي احتياجات الحاضر دون الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.
وأوضح فتوح أن هذا المنتدى يناقش قضية بالغة الأهمية، تتمثل في تقاطع بين التمويل والاستدامة، والتنمية في عصر أصبحت فيه عواقب تغير المناخ والتدهور البيئي واضحة بشكل متزايد.
وأشار إلى أن دور المؤسسات المالية في تعزيز مستقبل مستدام أصبح بالغ الأهمية، موضحا أن التمويل الأخضر يمثل وسيلة حاسمة لتحقيق النمو المستدام ومعالجة التحديات الملحة التي يفرضها تغير المناخ.
وتابع فتوح، "إن بلداننا العربية تواجه تحديات بيئية فريدة من نوعها، بما في ذلك ندرة المياه، والتصحر، وتأثيرات تغير المناخ، وتتطلب هذه التحديات استجابة عاجلة ومنسقة، لذلك، أصبحت الحاجة إلى التنمية المستدامة حقيقة ملحة".
وأضاف أن التمويل الأخضر وتوجيه الموارد المالية يشكلان حجر الزاوية في هذه الاستجابة، حيث يوفران رأس المال الأساسي اللازم للمشاريع التي تعزز الاستدامة البيئية والمرونة الاقتصادية، مثل الاستثمارات في الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، والزراعة المستدامة، والبنية التحتية الخضراء.
وأشار إلى أن الدول العربية تواجه تحديات كبيرة في إطلاق إمكانات التمويل الأخضر، ومن هذه التحديات الأطر التنظيمية والسياسية.
وأوضح أنه رغم التقدم المحرز، توجد بعض العوائق التنظيمية والسياسية التي تعيق الإمكانات الكاملة للتمويل الأخضر في المنطقة العربية، مثل عدم كفاية الحوافز كدعم الفوائد وبعض الإعفاءات الضريبية التي تؤدي إلى تردد المستثمرين في الالتزام بالمشاريع الخضراء.
وتحدث فتوح عن أهمية رفع مستوى الوعي حول فوائد التمويل الأخضر وبناء القدرات بين أصحاب المصلحة بما في ذلك المصارف والمؤسسات المالية والشركات وصناع السياسات، مشيرا إلى الحاجة الملحة لبناء الوعي والفهم، معربا عن شكره لجمعية البنوك في الأردن لتنظيمها هذا المؤتمر.
وأكد أن الوصول إلى التمويل يشكل تحديا كبيرا، لا سيما بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تلعب دورا حاسما في الاقتصادات العربية.
وأضاف أن تطوير آليات تمويل مبتكرة وتخفيف المخاطر من الاستثمارات أمر ضروري لضمان شمولية التمويل الأخضر وإمكانية الوصول إليه.
وأشار إلى الدور الكبير الذي يقوم به اتحاد المصارف العربية في موضوع التمويل الأخضر والتمويل المستدام وتمويل التنمية بشكل أوسع، مبررا المبادرة التي أطلقها الاتحاد في أيلول 2023 لتشجيع المصارف والمؤسسات المالية العربية على تخصيص تريليون دولار لتمويل التنمية المستدامة.
وأشاد فتوح بالتزام الأردن بمبادرات التمويل الأخضر، مشيرا إلى الخطة الوطنية للنمو الأخضر التي تم إطلاقها في 2017، ومشاريع الطاقة المتجددة، والسندات الخضراء، والصندوق الأردني للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، معربا عن أمله في أن تسهم هذه الجهود في بناء مستقبل مرن ومزدهر للأجيال القادمة.
من جهته، قال نائب رئيس جمعية البنوك في الأردن، عمار الصفدي إن منتدى التمويل الأخضر "جريفن"، هو منتدى سنوي أطلقته الجمعية عام 2023، ويسلط الضوء على التمويل الأخضر، ويهدف لتعزيز أطر الحوارِ والتعاونِ بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة والقطاع المصرفي لدعم وتعزيز مبادرات التمويل الأخضر والاستدامة في المملكة.
وأشار إلى أهمية الاستدامة في القطاع المصرفي كنهج شمولي سيساهم في الحفاظ على مستقبل الأجيال القادمة، ودوره في بناء اقتصاد قوي ومتين، حيث يساهم بشكل مباشر في تعزيز المنعة والمرونة الاقتصادية التي يمتاز بها اقتصادنا الوطني، كما يعزز من مستويات النمو الاقتصادي، ويساهم في الحفاظ على السمعة الطيبة التي اكتسبها القطاع المصرفي كقطاع سليم وآمن.
وبين الصفدي أن التوجه نحو الاستدامة والتمويل الأخضر أصبح إحدى الضرورات الملحة لبناء مستقبل القطاع المصرفي، والذي يتوافق أيضا مع رؤية التحديث الاقتصادي، موضحا أهمية مواصلة المؤشرات المصرفية الرئيسية تحقيق معدلات نمو مستدامة وحفاظ القطاع المصرفي على عناصر قوته ومتانته المالية من خلال الإشارة إلى مؤشرات المتانة المالية.
وتضمن المنتدى مجموعة من الجلسات المتخصصة التي بحثت طبيعة التمويل الأخضر والمستدام والتحول إلى نهج الاستدامة في القطاع المصرفي، حيث جاءت الجلسة الافتتاحية بعنوان التمويل الأخضر: الأهمية والاتجاهات والتي تحدث فيها رئيس التمويل المستدام في سيتي العالمية جاسون شانيل، عن أهمية التمويل الأخضر والاتجاهات العالمية حوله، واتجاهات الأسواق في جانب التمويل الأخضر، ووجود ارتفاع ملحوظ للطلب عالمياً على الحلول المالية المستدامة، وخصوصا ارتباط الحلول البيئية مع بيئة الأعمال المصرفية.
وأشار شانيل إلى أهمية النظر إلى نهج الاستدامة على المستوى الاستراتيجي المتوسط وطويل الأمد، وتقديم المقاربة الملاءمة للمنافع والعوائد لنهج التحول مقارنة مع تكاليف التحول المستدام.
أما الجلسة الأولى من المنتدى، والتي بحثت في تكامل التمويل الأخضر في العمليات المصرفية، وإدارتها مسؤولة الطاقة والمناخ والتنمية في وزارة الخارجية والتنمية البريطانية، المهندسة ربى الزعبي، فقد ركز المتحدثون خلالها على العناصر المؤثر على عملية التحول، وتحدث الخبير الاقتصادي المالي الأول في شؤون المالية والقدرة التنافسية والابتكار في البنك الدولي، أندريوس سكارنوليس، عن النظرة الشمولية للتمويل الأخضر على مستوى المنطقة والعالم.
فيما تحدث مستشار تطوير الأنظمة المالية في مجموعة الاستشارية، يان إننباخ، وخبيرة سياسات الاقتصاد الأخضر ونائب رئيس الفريق في الأردن، شذى الشريف، عن مجموعة الأدوات والآليات المتعلقة بتصميم وتطوير أدوات التمويل والقروض المصرفية الخضراء، والفرص الاستثمارية، وأهمية تعزيز سلوك المستهلك للدفع نحو التكنولوجيات الخضراء.
كما استعرض المدير المساعد ورئيس النظام المالي الأخضر لجنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، فنسنت دوينهاور، التجارب الدولية وسبل تسريع وتيرة التمويل الأخضر من خلال عرض قصص النجاح توضيح العمليات المصرفية لنجاحها.
وتضمن المنتدى على جلسة فرعية مخصصة للقطاع الصناعي في الأردن، والتي تحدث فيها المهندس معن عياصرة عن فرص التمويل الأخضر في القطاع الصناعي، وطبيعة الفرص المتاحة وتنوعها في مختلف القطاعات الصناعية الفرعية، والتي يمكن تمويلها من خلال القطاع المصرفي.
أما الجلسة الثانية من المنتدى، فقد تناولت ممارسات إدارة مخاطر التمويل الأخضر، والتي أدارها المدير التنفيذي لصندوق الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة، الدكتور رسمي حمزة، وتحدث خلالها المدير الإقليمي لمكتب مدرسة فرانكفورت للتمويل والإدارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ميرت ديديباس، عن الجوانب الفنية المتعلقة بالتمويل الأخضر في القطاع المصرفي، وعناصر تقييم المخاطر البيئية وإدماجها في نماذج التحليل الائتماني لتعزيز القرارات الائتمانية واستدامة المحافظ المالية والحد من فرص الغسيل الأخضر للأموال، فيما تحدث مدير دائرة الاستقرار المالي في البنك المركزي الأردني، محمد عمايرة، عن توجهات البنك المركزي في تطبيق استراتيجية التمويل الأخضر، وسبل تعزيز هيكل حوكمة المخاطر المتعلقة بالتمويل الأخضر في القطاع المصرفي، وذلك في عدة جوانب منها الرقابة والقياس والمتابعة وإدارة المخاطر البيئية ومخاطر تغير المناخ.
وفي ختام أعمال المنتدى، قدم مدير عام جمعية البنوك، الدكتور ماهر المحروق، البيان الختامي للمنتدى، مشيرا إلى دور الجمعية في تعزيز وبناء أُطر التواصل والتشابك مع كافة الجهات لتعزيز التحول نحو الاستدامة في القطاع المصرفي، وجهود الجمعية في تطوير وبناء القدرات والتعمق في مواضيع الاستدامة والتمويل الأخضر لتعزيز القيادات المصرفية لقيادة هذا التحول.
وأشار المحروق إلى أن قيادة القطاع المصرفي لعملية التحول ستساهم بتعزيز تحول القطاعات الاقتصادية إلى الأنشطة الخضراء، وهو ما سينعكس في جملة من الفوائد والمنافع على الاقتصاد المحلي من خلال تحوله نحو الاقتصاد الأخضر والمستدام، وتعزيز مستويات النمو الاقتصادي.
وبين المحروق أن تخضير القطاع المصرفي عملية مستمرة، وترتبط مع تطبيق استراتيجية البنك المركزي للتمويل الأخضر للأعوام 2023-2028 ورؤية التحديث الاقتصادي والتي اتخذت من الاستدامة إحدى الركائز الأساسية للرؤية.
وأكد أن الجمعية تتطلع للاستفادة من الدفعة المعنوية والإيجابية التي قدمها المشاركون خلال المنتدى والاعتماد على التوصيات اللاحقة لتطوير وتعزيز نهج الاستدامة في البنوك، وهو ما سيساهم في تحقيق الأردن لخطوات كبيرة في مجال تخضير القطاعات الاقتصادية وتعزيز التوجهات نحو الاقتصاد الأخضر والدائري. (بترا)
14-حزيران-2024 04:23 ص